فشل الضربة النووية- حقائق البرنامج الإيراني وخطر الحرب الوشيكة

في غمرة صباح 22 يونيو/ حزيران من عام 2025، فاجأ الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترامب، العالم بإعلانه عن شن "هجوم ناجح للغاية" على ثلاثة مواقع نووية إيرانية حيوية، مؤكدًا على تدميرها بشكل كامل وإرجاء البرنامج النووي الإيراني لسنوات قادمة.
وفي أعقاب ذلك، شنت إيران هجومًا منسقًا على قاعدة العديد القطرية، ما أفضى إلى وقف إطلاق النار بين طهران وتل أبيب بوساطة أميركية، حيث ادعى كل طرف الانتصار على الآخر.
ولكن، بعد مرور أسبوع واحد فقط على هذا الإعلان المثير، بدأت التسريبات الاستخباراتية الأميركية في الكشف عن صورة مغايرة تمامًا للواقع: الهجوم لم يحقق أهدافه الإستراتيجية المنشودة، والبرنامج النووي الإيراني لم يتم تدميره كما زعمت واشنطن وتل أبيب.
وبغض النظر عن مدى صحة هذه التسريبات التي سعى ترامب وإدارته إلى التشكيك فيها مرارًا وتكرارًا، توجد حقائق دامغة لا يمكن إنكارها، وهي:
- الحقيقة الأولى: تمتلك إيران مخزونًا يقارب أربعمائة وثمانية كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، وهي كمية كافية لصناعة حوالي 12 قنبلة نووية في حال رفع نسبة التخصيب إلى 90٪، أو حتى تصنيع ما يسمى بـ"قنبلة قذرة" باستخدام نسبة التخصيب الحالية.
- الحقيقة الثانية: تمتلك إيران عشرات الآلاف من أجهزة الطرد المركزي القادرة على إتمام عملية التخصيب في غضون أسابيع معدودة. والأهم من ذلك، أن هذه الأجهزة هي من صنع إيراني بالكامل، ما يؤكد امتلاك إيران القدرات المعرفية والتقنية اللازمة لإتمام دورة إنتاج القنبلة النووية بأكملها.
- الحقيقة الثالثة: أعلنت إيران منذ أشهر عن إنشاء ثمانية مواقع جديدة (على الأقل) بدرجات متفاوتة من التقدم، مخصصة للتخصيب أو إنتاج الوقود النووي، وحرصت على إبقاء مواقعها سرية. وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذه المعلومة سابقًا، وأكدها الرئيس مسعود بزشكيان لاحقًا بقوله: "إن هناك منشآت بديلة تحت الأرض ستدخل الخدمة قريبًا".
- الحقيقة الرابعة: كشف أحد مسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مسؤولين إيرانيين قد رافقوهم -قبل شهور- إلى موقع سري يقع أسفل مفاعل فوردو المحصن على عمق 800 متر، ولم يتمكنوا من تحديد مكانه بدقة بسبب كثرة الأنفاق المتشعبة التي ساروا خلالها.
وهذا يعني ببساطة أن القنابل الأميركية التي ألقيت لم تحدث تأثيرًا يُذكر على المفاعل، باستثناء تدمير المداخل السطحية أو بعض طبقات الحماية الخارجية، دون المساس بقلب المفاعل أو الأماكن التي تقع على عمق يقارب الكيلومتر تحت سطح الأرض، والتي من المؤكد أن الإيرانيين قد نقلوا إليها المواد الحيوية مثل اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي وغيرها.
- الحقيقة الخامسة: تمتلك إيران ترسانة صاروخية ضخمة، تقدر -وفقًا لأقل التقديرات الاستخباراتية- بنحو ثلاثة آلاف صاروخ باليستي، وترتفع في بعض التقديرات إلى عشرات الآلاف من الصواريخ المتنوعة.
وقد أُطلق على الكيان المحتل نحو أربعمائة صاروخ، وفقًا لتصريحات الجيش الإسرائيلي الرسمية، مما يؤكد أن القوة الصاروخية الإيرانية لا تزال بكامل طاقتها.
إن هذه الحقائق هي الواقع الذي تدركه الإدارة الأميركية والحكومة الصهيونية جيدًا، وهو ما يفسر تزايد الدعوات إلى التشكيك في نجاح الضربة الأميركية الإسرائيلية من قبل جهات عالمية ذات وزن وثقل علمي وسياسي وعسكري. هذه الجهات تستند في شكوكها إلى المعلومات التي باتت متاحة للجميع، والتي لا يمكن لترامب وفريقه تجاهلها، وأقصى ما يمكنهم فعله هو محاولة تشتيت الانتباه والتشكيك؛ للدفاع عن فشلهم في تحقيق الأهداف المعلنة من الضربة.
لا شك أن إيران قد تكبدت خسائر فادحة في هذه الحرب، وتأثر برنامجها النووي بلا شك، ولكن الهدف المعلن الذي سعى إليه الأميركيون والصهاينة من هذه الحرب لم يتحقق، وهذا ما يعلمه الجميع، ويقودنا إلى النقطة التالية.
لماذا تم وقف الحرب إذا لم تتحقق الأهداف المنشودة؟
السبب الرئيسي لوقف الحرب هو أن منظومة إسرائيل للصواريخ الاعتراضية كانت على وشك النفاد، مما كان سيمنح إيران سيادة جوية فعلية على سماء الكيان المحتل، تمامًا كما كان للكيان سيادة جوية على سماء إيران من خلال مقاتلاته. بالإضافة إلى ذلك، بدأت قدرة الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني على استيعاب الضربات الإيرانية المتتالية في التضاؤل.
فمع بداية الهجوم الصهيوني على إيران، أظهرت استطلاعات الرأي تأييدًا واسعًا له بين الإسرائيليين، تراوحت نسبته بين 70٪ إلى 85٪، ولكن في الأيام الأخيرة للحرب، ومع تزايد الخسائر المادية والبشرية، ارتفعت نسبة الإسرائيليين الذين طالبوا بوقف إطلاق النار إلى 65٪، وفقًا لاستطلاعات الرأي الداخلية.
ويمكننا أن نتخيل كيف ستكون نسبة التأييد إذا نفدت منظومة صواريخ القبة الحديدية الصهيونية وأصبحت أجواء الكيان مفتوحة على مصراعيها للصواريخ الإيرانية. هذا يقودنا إلى الحقيقة التالية: إيران لا تزال قادرة على إنتاج القنبلة النووية بكفاءة، وإسرائيل تواجه خطرًا وجوديًا حقيقيًا من منظومة الصواريخ الإيرانية، أو من القنبلة التي قد تفاجئها في أي لحظة.
وهذا ما ظهر جليًا في تصريحات مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووزراء في حكومة نتنياهو، ومسؤولين أميركيين، الذين أجمعوا على أن إيران قادرة على ترميم مشروعها النووي خلال بضعة أشهر فقط، مما يضع واشنطن وتل أبيب أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما أن إيران قادرة على إنتاج القنبلة الآن وتنتظر فقط قرارًا سياسيًا، أو أنها ستستعيد قدرتها على إنتاجها خلال بضعة أشهر.
وفي كلا الاحتمالين، ووفقًا لمعطيات الأمن القومي الصهيوني والأميركي، يواجه الكيان خطرًا وجوديًا محدقًا.
تحليل سلوكيات الأطراف الفاعلة
هذا الإخفاق في تدمير البرنامج النووي الإيراني، أو حتى تحييده، تضاف إليه الأزمة القانونية المتفاقمة التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي قد تنهي مسيرته السياسية بشكل نهائي.
فنتنياهو يحاكم حاليًا في ثلاث قضايا فساد خطيرة تتضمن اتهامات بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال، وقد بدأ بالفعل في الإدلاء بشهادته أمام المحكمة.
وقد رفضت المحكمة المركزية الإسرائيلية في 27 يونيو/ حزيران للمرة الثانية طلبًا تقدم به نتنياهو لتأجيل محاكمته، ثم عادت ووافقت على تأجيل المحاكمة يوم الأحد 29 يونيو/ حزيران 2025، حيث وافقت على طلبه بتأجيل جلسات الاستماع في قضايا الفساد، وألغت الجلسات المقررة في 30 يونيو/ حزيران، و2 يوليو/ تموز.
ولكي ندرك مدى حضور البعد الشخصي في هذا السياق، يكفي أن نعلم أن ترامب صرح أكثر من مرة، آخرها في 29 يونيو/ حزيران الماضي، قائلًا: "يجب إلغاء محاكمة نتنياهو على الفور، أو منح العفو لبطل عظيم، فعل الكثير من أجل الدولة."
كما هدد ترامب بمحاسبة إسرائيل إذا لم يتم إلغاء هذه المحاكمة، حيث قال: "إن الولايات المتحدة "لن تتسامح" مع مواصلة محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهم فساد".
إن ممارسة ترامب ضغوطًا علنية على القضاء الصهيوني يعتبر أمرًا غير اعتيادي في الأعراف الدبلوماسية، وهو ما يكشف حجم تأثير محاكمة نتنياهو على مسارات الحرب في غزة ولبنان وإيران، ويؤكد أن التحليلات التي تتحدث عن التأثير الكبير للملف القانوني لنتنياهو على الحرب ليست من قبيل المبالغة أو التهويل.
نقطة أخرى بالغة الأهمية، وهي انكشاف شبكة العملاء والجواسيس في الداخل الإيراني مع تصاعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية. هذه الشبكة التي بنتها إسرائيل على مدار سنوات تتعرض الآن لعمليات ملاحقة مكثفة من قبل الأجهزة الأمنية الإيرانية، مما يعني أن هذه الشبكة قد يتم تفكيكها بالكامل قبل أن تتمكن تل أبيب من تحقيق هدفها بتدمير البرنامج النووي الإيراني.
وهذا ما يدفع إسرائيل إلى خوض سباق مع الزمن لإكمال مهمتها قبل القضاء على شبكة عملائها في الداخل الإيراني، والذين حققوا لها ضربة البداية القوية في بداية الحرب.
وبناءً على ذلك، فإن الأمن القومي الصهيوني والأميركي يواجهان خطرًا إيرانيًا حقيقيًا من هذا المنظور، بالإضافة إلى الأسباب الشخصية التي تدفع نتنياهو إلى الرغبة في استمرار الحرب لتجنب المحاكمة. فاستمرار الصراع يمنحه مبررًا لتقديم طلبات متكررة لتأجيل الجلسات والتركيز على "الأولويات الأمنية" كما فعل مؤخرًا، مشيرًا إلى أن هناك أمورًا هامة ستحدث قريبًا في طلبه الأخير لتأجيل المحاكمة.
فالحرب تساعده في الحفاظ على تماسك حكومته الائتلافية الهشة، التي قد تنهار في حالة السلم، وتؤدي إلى انتخابات مبكرة قد يخسرها.
والأهم من ذلك، أن الحرب تمنح نتنياهو فرصة لتصوير نفسه كـ"قائد حرب" يدافع عن إسرائيل ضد التهديدات الوجودية، مما قد يكسبه تعاطف الرأي العام الإسرائيلي ويقلل من تأثير قضايا الفساد على شعبيته. هذا التكتيك السياسي المعروف باسم "تأثير الراية" (Rally Around the Flag) استخدمه نتنياهو بنجاح في الماضي.
وبالنظر إلى المعطيات السابقة، يظل سيناريو اندلاع حرب جديدة بين إيران وإسرائيل هو السيناريو الراجح والأكثر احتمالًا خلال الأشهر القليلة القادمة، بل ربما خلال الصيف الحالي أيضًا.
فإسرائيل، التي وجهت ضربة عسكرية قوية لدولة عضو في الأمم المتحدة، في انتهاك صارخ للقوانين والأعراف الدولية، لم تتم محاسبتها على فعلتها، بل تم تبريرها لها برعاية أميركية، مما يشجعها على خوض حرب جديدة بلا وازع. فمن أمن العقاب أساء الأدب.
هذه الحرب قد لا تبدأ بالضرورة بنفس السيناريو الذي بدأت به الجولة الماضية، ولكنها قد تتخذ شكل هجمات سرية غير معلنة من قبل الكيان الصهيوني داخل إيران، عبر سلسلة من الاغتيالات أو التفجيرات في مناطق حساسة. والرد الإيراني على هذه الهجمات هو الذي سيحدد درجة التصعيد وحجم كرة الثلج التي قد تتدحرج سريعًا لتشعل المنطقة بأكملها.